غازي الخالدي
حين تخطو خطواتك نحو محافظة البريمي، فإنك تخطو في ممرّ من الحكايات العُمانية الخالدة، حيث تصافحك الصحراء بكفٍّ من ذهب، وتفتح لك الجبال ذراعيها كأمٍّ اشتاقت لابنها العائد. هناك في قلب الغرب العُماني تتربّع البريمي كقصيدةٍ متجددةٍ في ديوان الوطن، تنبض بالحياة والعراقة والإنسان.
كلما اقتربت من بوابة البريمي، تشعر بأن الزمن يتباطأ ليرسم أمام عينيك مشهدًا من الحِكمة والصبر، يرسم أمامك ظلال الجبال الشامخة كحراس صامتين يحرسون تاريخًا طويلًا وشامخًا. يلوح الغاف بنخله كأنه يهمس لك بأسرار الأرض، ويحتضنك النسيم العطر الذي يحمل أنفاس الصحراء وموسيقى الحياة في آنٍ واحد.
في البريمي تتنفس عُمان بهدوء، ويتجسد الوطن في عيون الناس، في سلوكهم، في أحاديثهم البسيطة، في الكرم الذي يُعطى دون أن يُطلب، وفي اللطف الذي لا يتكلف، بل هو فطرة أصيلة من طبيعة الإنسان والمكان وجزءٌ من الذات العُمانية التي تنبض بالوفاء والسكينة والإباء
وما إن وصلت حتى استقبلني وجه البريمي الحقيقي: أهلها، الوجه الأبهى للمكان، ليس بكلمات ترحيب فحسب، بل بقلوب مفتوحة تسكنها أصالة العرب ونبل العمانيين. ليس في الأمر مبالغة إن قلت إنّ حين تلتقي بأهل البريمي تشعر بأنك أمام فصلٍ نادرٍ من فصول الإنسانية . كرمهم ليس عادة، بل عقيده متجذرة في أعماقهم كما تتجذر النخيل في الأرض الصلبة.
وجوه أهل البريمي هي مرآةٌ نقيةٌ للهوية العُمانية، تلك الهوية التي لا تُكتب على الورق، بل تُمارس في الحياة اليومية، وتُترجم في العلاقات الاجتماعية، وفي التعامل مع الغريب قبل القريب.
أهل البريمي هم امتداد لأخلاقٍ قامت عليها الحضارة العُمانية، في شيوخهم ملامح الوقار والحكمة، بنظراتهم الواثقة، هم شهود التاريخ وحُماته.
فيهم تجتمع التجربة، وتختزن المعاني، رأيهم موزون، لأنهم يدركون أن الكلمة مسؤولية، وأن الصمت حين لا ينفع الكلام حكمة.
الشباب من جهتهم عزيمة المستقبل واستقامة الطموح فهم الأمل الذي لا يذبل، هم الطموح الذي يمشي بثقةٍ على طرقٍ تعبُر الزمن نحو المستقبل. في خطواتهم نهضة، وفي نظراتهم وعيٌ عميقٌ بأنهم ليسوا مجرّد أبناء مكان، بل صنّاعه، ومهندسو ملامحه الجديدة. وجدتُ فيهم احترامًا كبيرا للماضي، وحرصًا عظيمًا على المضي نحو الغد بشغفٍ لا يعرف التراخي ولا يعرف اليأس، ولا يركن إلى الاتكال، منهم من هو في المشاريع، ومنهم من في الجامعات، ومنهم من يفتح باب رزقه بيده، ويزرع الحلم بعرقه، هؤلاء يصنعون الفارق، في الواقع يؤمنون أن عُمان تُبنى بسواعدهم، لا بشعارات تُرفع وتُنسى.
التنمية في البريمي ليست فعلًا دعائيًا، بل ممارسة هادئة مستمرة.
في كل حيّ، تشهد مشروعًا قيد التنفيذ، أو مبادرة شبابية، أو شراكة مجتمعية تُعزز الخدمات. تجولت بين أزقة وأسواق البريمي، فوجدت الأصالة تعانق الحداثة، يتناغم الماضي مع الحاضر في تناغم يثلج الصدر، وكأن الزمن قد صنع مجده الخاص في تلك الأرض. المباني القديمة تحكي قصة العمران العماني التقليدي، وتجاورها الأبنية الحديثة التي تعكس تطورًا مدروسًا يعكس روح التنمية المستدامة التي تحتضنها المحافظة. الأسواق الشعبية تزدهر بين الأسواق الحديثة، والجوامع القديمة تتناغم مع المساجد ذات الطراز المعماري المعاصر، فتجدك بين أصالة وعصرية لا تفرقهما سوى خطوط تنساب بتناغم على صفحة المكان.
في محافظة البريمي تغوص في نسيجٍ من العراقة والتاريخ، حيث تتشابك خيوط الماضي مع نبض الحاضر، وتتناغم الطبيعة مع روح الإنسان في لوحة بديعة من الجمال والأمل لتجسد قيمة وطنية متجذرة، تحمل في طيّاتها ملامح من التاريخ، ونبل الإنسان، وصدق الانتماء.
المشاريع و الطرق تتوسع وتُصان، وفق تخطيط عمراني هادف، يربط القرى بالمراكز، ويضمن حركة مرورية منظمة وآمنة .البيئة تُعامل باحترام لا إسراف، لا تشويه، لا انتهاك للطبيعة، البريمي تدرك أن جمالها جزءٌ من هويتها، وأن احترام المكان هو من احترام الذات .
ما يميز البريمي أيضًا هو توازنها الجميل بين الأصالة والمعاصرة فيها السوق القديم، وفيها المجمعات الحديثة، فيها المسجد التاريخي، وفيها الجامعات والمعاهد فيها الشِعر، وفيها التقنية. وفي كل زاوية، تشعر أن البريمي تحترم ماضيها، وتُرحب بالمستقبل دون أن تُفرّط بجذورها.
الناس هنا لا يركضون خلف الحداثة دون وعي، ولا يتقوقعون في الماضي خوفًا من التغيير هم في حالة انسجام نادرة يعرفون ما يجب الحفاظ عليه، وما يمكن تطويره، وما يجب تجاوزه.
في قلب هذه الحركة التنموية الهادئة والمستمرة التي تشهدها محافظة البريمي، تقف قيادة محلية فاعلة، تمثّلت في سعادة السيد الدكتور محافظ البريمي، يُدير المحافظة بعين المسؤول، وبقلب المواطن، وبروح الأب الذي يريد لمحافظته أن تكون الأفضل، تحت قيادته أصبحت البريمي نموذجًا تنمويًا يوازن بين النمو الاقتصادي، والهوية الثقافية، والتنمية الاجتماعية. قيادته ليست منفصلة عن الناس، بل متداخلة معهم، ينزل إلى الميدان، يتحدث مع المواطنين، يستمع إلى صوت الشارع، ويحقق التوازن بين الرؤية الواقعية والطموح الوطني، ولهذا فإن أبناء البريمي لا يرونه مسؤولًا فحسب، بل رمزًا من رموز الجدية والنزاهة، رجل دولة يعرف أن المجد لا يُصنع بالكلام، بل بالمواقف.
الغروب في البريمي ليس حدثًا بصريًا فقط، بل لحظة روحية حين تغرب الشمس هناك، تُدرك أن الوقت لا يُقاس بالساعات فقط، بل بالمشاعر. الضوء الذهبي ينسكب على الأسطح، على الطرق، على مآذن المساجد، على النخيل، وعلى وجوه الناس وهم يعودون من أعمالهم بقلوب مطمئنة لا صوت عالٍ، لا ضجيج فقط سكون يُشبه دعاءً خافتًا في نهاية يومٍ جميل.
ما يجعل محافطة البريمي مختلفة هو ذلك الإحساس الذي تُلقيه فيك دون أن تنطق بكلمة، تشعر أنك جزءٌ منه، حتى لو لم تكن منها، وتشعر أن الوطن لا يحتاج لتعريف، لأنك تراه هنا ماثلًا، في الناس، في النخيل، في الأبواب التي لا تُغلق، وفي القلوب التي لا تردّ أحدًا..
شكرًا لكِ يا البريمي لأنك تفتحين ذراعك لكل من يأتيك، ولأنك تعلّميننا أن الجمال لا يحتاج ضوضاء، وأن الكرامة لا تحتاج إلى إعلان، وأن الوطنية الحقيقية هي ما نراه في عيني طفل يبتسم، وفي يد عامل لا يتذمر، وفي رجل يقول لك: "تفضل، البيت بيتك."
وشكرًا لكِ يا عُمان لأنك في كل محافظة من محافظاتك تُخبريننا أننا في وطنٍ يُحسن البناء كما يُحسن البقاء، يُقدّر الماضي، ويصنع الحاضر، ويعدُ بالمستقبل لأن أبناءه في كل موقع يعرفون ما معنى أن تكون عُمانيًا.